كانت بنت النبي صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة، فاطمة رضي الله عنها تُكنى بأم أبيها، لقربها من النبي صلى الله عليه وسلم، وحبه الشديد لها.
وقد ولدت للرسول صلى الله عليه وسلم ولأم المؤمنين خديجة رضي الله عنها وقت بناء الكعبة.
حيث اختلفت روايات ميلادها، لكن الأرجح والأصح ما ورد في حديث ابن عباس رضي الله عنه، الثابت في الطبقات الكبرى لابن سعد "...
أما أنت يا فاطمة، فولدت وقريش تبني الكعبة، وأما أنت يا علي، فولدت قبل ذلك بسنوات".
تفتحت عينا فاطمة رضي الله عنها على الدنيا لتنسم أريج الإيمان وعبق النبوة في بيت أبيها صلى الله عليه وسلم، ولتراه وهو يمضي في أداء رسالته وتبليغها للناس، متجشما المشاق ومتحملا المصاعب.
وكانت شاهدة على العديد من مواقف الأذى والابتلاء الذي تعرض له النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان لديها من الجرأة والشجاعة ما جعلها تبادر إلى دفع الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن مسعود رضي الله عنه من رواية البخاري قال: "كنا مع رسول الله وهو يصلي، فقال أبوجهل: ألا رجل يقوم إلى فرث جزور بني فلان فيلقيه على محمد وهو ساجد؟ فقام عقبة بن أبي معيط وجاء بذلك الفرث فألقاه على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فلم يقدر أحد من المسلمين الذين كانوا بالمسجد على إلقائه عنه لضعفهم عن مقاومة عدوهم.
ولم يزل عليه الصلاة والسلام ساجدا حتى جاءت فاطمة بنته فأخذت القذر ورمته، فلما قام دعا على من صنع هذا الصنع القبيح فقال: اللهم عليك بالملأ من قريش وسمى أقواما, قال ابن مسعود فرأيتهم قتلوا يوم بدر" (رواه البخاري ومسلم).
وكانت فاطمة رضي الله عنها مع صغر سنها لا تأل جهدا في الوقوف إلى جوار أبيها، بعد موت أمها خديجة رضي الله عنها؛ لتشد من أزره، وتقوى عزمه، وتهون عليه من المصائب والمحن والنوائب، ولم يكن هذا أمرا هينا وقد كان صلى الله عليه وسلم يشفق عليها، ويطمئنها بوثوقه من نصر الله تعالى.
هاجرت فاطمة رضي الله عنها مع أختها أم كلثوم وزوج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سودة بنت زمعة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بوقت قصير وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أرسل إليهم من يحملهم من مكة إلى المدينة.
وفي المدينة المنورة تزوجت فاطمة من علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وكان زواجا بسيطا؛ فعن عائشة واُمّ سلمة، قالتا: أمرَنا رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نجهّزَ فاطمة حتّى نُدخِلها على عليّ، فعمدنا إلى البيت.
ففرشناهُ تراباً ليّناً من أعراض البطحاء، ثمّ حشونا مرفقتين ليفاً فنفشناه بأيدينا، ثمّ أطعمنا تمراً و زبيباً، وسقينا ماءً عذباً، وعمدنا إلى عود، فعرضناه في جانب البيت ليُلقى عليه الثّوبُ، و يُعلَّق عليه السّقاءُ، فما رأينا عرساً أحسنَ من عُرسِ فاطمة" (رواه ابن ماجة).
وكان علي رضي الله عنه يقول: ما كان لنا إلا إهاب كبش ننام على ناحية منه، وتعجن فاطمة على ناحية.
وكانت وليمة علي رضي الله عنه في عرسه كبشا، ثم قدم له بعض الأنصار آصعا (جمع صاع) من ذرة. وكانت هذه هي وليمة العروسين المبشرين بالجنة "علي وفاطمة".
عاشت فاطمة رضي الله عنها مع علي رضي الله عنه عيشة خشنة، وعانت معه الفقر والخصاصة، فكانت هي من تقوم بخدمة البيت والأولاد، وكانت تطبخ وتغسل وتعجن، بل وتطحن بالرحى، حتى أثرت الرحى في يديها.
وذات مرة زارها النبي صلى الله عليه وسلم فألفاها مريضة، وقد أقعدها المرض من شدة الإنهاك والتعب، وكانت من عاداته صلى الله عليه وسلم أن يعودها بين الحين والحين وهي مريضة، حتى يهون عليها ويسري عنها، ويواسيها؛ فلما أن زارها ذات مرة قال لها "كيف تجدينك يا بنية؟".
فقالت: إني لوجعة. وإنه ليزيدني أني مالي طعام آكله، فاستعبر النبي صلى الله عليه وسلم وقال "يابنية، أما يرضيك أنك سيدة نساء الجنة" (صححه السيوطي).
لقد تحلت فاطمة رضي عنها بالكثير الكثير من الفضائل والشيم الحسنة، منها: الإيثار والزهد اللذان كان سليقة وسجية في شخصها رضي الله عنها.
وتتجلى آية الإيثار في القصة الجليلة التي رواها القرآن الكريم عنها وعن زوجها علي رضي الله عنهما ((يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا * وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا )).
وكان لفاطمة سهم كبير في مناصرة الدعوة الإسلامية بشجاعة وقوة، فقد عاشت وعايشت الأحداث الجسام في عمر أبيها، وفي تاريخ الإسلام، فكان قلبها يرعد وصدرها يختلج عندما تنوب النوائب وتنزل النوازل بالمسلمين.
وكان موقفها شجاعا في غزوة أحد، حين شج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانطلق تيار من الدماء يسيل من الجسم الشريف، فعمدت إلى حصير فأحرقتها ثم أتت برمادها بعد الحرق فكبست به الجرح فرقأ الدم الذي كان نزفه سريعا.
ولقد كانت فاجعة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم فاجعة حفرت في نفسها جرحا عميقا.
ولم تكن تتصور أن تكون الهموم والأحزان بهذه القسوة والحدة، ففي المشهد الأخير لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فراش الموت كان قلب فاطمة يتفطر حزنا وألما ولوعة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "أقبلت فاطمة رضي الله عنها تمشي كأن مشيتها مَشْيُ النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
مرحباً يا ابنتي ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسر إليها حديثا فبكت، فقلت لها: لم تبكين؟ ثم أسر إليها حديثا فضحكت، فقلت ما رأيت كاليوم فرحا أقرب من حزن! فسألتها عما قال؟
فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم فسألتها فقالت: أسر إليَّ أن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة، وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي، وإنك أول أهل بيتي لحاقاً بي.
فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة أهل الجنة أو نساء المؤمنين فضحكت لذلك"رواه البخاري.
كان تعلق فاطمة برحيل النبي صلى الله عليه وسلم أمرا ملحوظا، وكان تشوقها للحاق به باديا.
ولم تكد تمر ستة أشهر بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى رحلت فاطمة رضي الله عنها، بعد أن تناوشتها الأمراض ولازمتها الأشواق للحاق بالحبيب حتى توفيت إلى رحمة الله ورضوانه وعمرها 29 عاما في الثالث من رمضان عام 11 هجرية.
رضي الله عن فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم، ورزقنا صحبتها ونبينا في الفردوس الأعلى.
المصدر: موقع لها أون لاين